بقلم: سعادة الشيخ حمد بن عبدالله جاسم آل ثاني، الرئيس التنفيذي لشركة "فودافون قطر"
لم تعد الزراعة وتربية الماشية على الحالة التي عرفها الإنسان منذ القدم، بل تطورت تطورًا مذهلًا على مر العصور. وقد كان للتكنولوجيا دور كبير في الثورة الحديثة التي شهدها مجال الزراعة الذي يواجه تحديات بارزة على رأسها تلبية احتياجات النمو السكاني المتزايد في العالم، وخفض تكلفة الإنتاج، والتكيّف مع التغيرات المناخية.
فعلى سبيل المثال، يتوقع تقرير صادر من الأمم المتحدة أن يزداد عدد سكان العالم من 6.9 مليار نسمة في عام 2010 إلى 8.3 مليار نسمة في عام 2030، وأن يصل إلى 9.1 مليار نسمة في عام 2050، وهو ما سيصاحبه زيادة متوقعة في الطلب على الطعام بنحو 50 في المائة بحلول عام 2030 وبنحو 70% بحلول عام 2050. وتعني هذه الزيادة استهلاك البشر مزيدًا من اللحوم والفواكه والخضراوات، وهو ما يمثل تحديًّا في مجال الزراعة يتمثل في ضرورة تلبية احتياجات هذا الطلب المتنامي الذي يجب معه الحفاظ على مستويات مرتفعة من الإنتاج الزراعي.
والتفكير في الزراعة يدفع المرء بالضرورة إلى التفكير في الماء العذب. ووفقًا للبنك الدولي، تستهلك الزراعة 70% من إجمالي الماء العذب حول العالم. وستزيد هذه النسبة بنحو 15% بحلول عام 2050 بسبب زيادة الإنتاج الزراعي لتلبية احتياجات السكان، وهو ما قد يتسبب في حدوث مشكلات حول العالم ولاسيما في دول مثل قطر التي تندر فيها مصادر المياه العذبة.
ولهذا تركز الحكومة القطرية منذ فترة تركيزًا شديدًا على الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يعكسه حجم الإنتاج الزراعي لشركة حصاد، أكبر الشركات القطرية في قطاع الزراعة والأغذية بدولة قطر، حيث ارتفع إنتاج الشركة من الماشية على سبيل المثال إلى 25 ألف رأس ومن الحبوب إلى 179 ألف طن سنويًا.
وقد جاءت التطورات السياسية الراهنة في دول مجلس التعاون الخليجي والحصار المفروض على قطر لتمثّل حافزًا جديدًا لتسريع هذه الجهود. ففي العام الماضي، أعلنت قطر أنها ستنشئ مخازن للأمن الغذائي ومرافق تصنيع وتحويل وتكرير متخصصة للأرز والسكر الخام والزيوت الصالحة للاستهلاك الآدمي في ميناء حمد تكفي لتلبية احتياجات 3 ملايين نسمة لمدة عامين ونصف، بتكلفة تصل إلى 1.6 مليار ريال. كما تهدف مزرعة بلدنا إلى توفير 100% من احتياجات السوق القطري للألبان بحلول أبريل 2018.
والسؤال هو: كيف تؤدي التكنولوجيا دورًا في زيادة كفاءة القطاع الزراعي واستدامته؟ والجواب يكمن في إنترنت الأشياء، هذه التكنولوجيا التي ستحدث ثورة هائلة في عالم الزراعة والتسميد والحصاد. فالأجهزة الزراعية المؤتمتة بوسعها الآن جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالزراعة ونقلها في التو واللحظة، ويشمل ذلك على سبيل المثال تحديد نسبة الضوء ورطوبة الطقس والحرارة ومستويات الرطوبة في التربة، وهذه الأشياء جميعها متصلة بنظام ري مؤتمت. ومن خلال تقنية إنترنت الأشياء الخاصة بمتابعة وتعقب الحيوانات، يمكن للمزارعين الحصول على المعلومات والإرشادات المتعلقة بمحاصيلهم وصحة ماشيتهم، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات سديدة حول كيفية استخدام مواردهم النباتية والحيوانية على الوجه الأمثل. لن يسهم هذا التطور في زيادة الإنتاجية فحسب، بل سيقلل التكاليف التي يمكن هدرها على أنظمة الري العشوائي والمشكلات الصحية للماشية التي لا تخضع لنظام المتابعة والرصد.
وفي هذا الصدد، نفتخر في فودافون قطر بفهمنا الشامل لاحتياجات السوق القطري وأداء دور مهم لدعم جهود قطر في تنويع اقتصادها من خلال استثماراتها في قطاعات مختلفة منها الزراعة. وبتوفيرنا لأحدث حلول إنترنت الأشياء في دولة قطر، سيتسنى لنا دعم قطر في تطوير قطاع الزراعة ودفع الدولة نحو تحقيق مفهوم الأمن الغذائي.
وسنوفر هذه الأساليب الحديثة بالاعتماد على تجاربنا وخبراتنا في مجموعة فودافون العالمية، إذ تحظى فودافون بخبرة طويلة من العمل في العديد من المشروعات الزراعية البارزة، منها على سبيل المثال عملنا مع شركة موكال الأمريكية التي تنتج أجهزة استشعار لتعقب العجول، وتعاوننا في نيوزيلاندا مع مزارعين محليين لتحسين الأداء الزراعي وترشيد النفقات من خلال استخدام أدوات زراعية جديدة تستعين بتكنولوجيا إنترنت الأشياء لإرشاد المزارعين حيال كمية المخصبات المستخدمة ومكانها، حيث يمكن للمزارعين بناء على البيانات المتوفرة لهم تحديد نسبة الهدر وتوفيق الأوضاع، وغير ذلك من أمثلة كثيرة على خبرتنا في هذا المجال.
لا شك أن العقد القادم سيشكل طفرة هائلة في الطريقة التي ننتج بها طعامنا. وقطر، بما لديها من مشروعات طموحة في الأمن الغذائي، تأتي في طليعة هذه الثورة الزراعية، ونفتخر في فودافون بامتلاكنا للإمكانيات والخبرات لدعم جهود دولة قطر في هذا القطاع الحيوي.